ظن الصحفي البريطاني أوليفر أوين ، العامل في صحيفة الأوبزرفر البريطانية أن ابنته التي لم تتعد من العمر 10 سنوات تمارس لعبة بريئة على شبكة الانترنيت · لكن عندما بدأ مستواها الدراسي في التراجع ، اكتشف الأب الحقيقة الخبيثة لأصدقاء ابنته الجدد عبر الانترنيت· يقول أوليفر : مثل الغالبية العظمى من الآباء كنت سعيدا بنجاح أبنائي · فقد كنت أحتفل بكل درجة جيدة يحصلون عليها ، وكنت أسعد عند قراءة كل ملاحظة يدونها المدرسون على كراسات الأولاد ، وتدل على تميزهم وتفوقهم ·
وعلى مدار السنين كنت سعيد الحظ لأن ولدي جيميما وزاك ، قد حققا نجاحا كبيرا في الدراسة · من الناحية الثقافية ، لم يكن هناك ما يدعو للقلق ، أو هذا ما ظننته· ولكن قبل شهرين اتصلت بي زوجتي جيسيكا في العمل وقالت لي أن مدرسة ابنتنا جيميما كانت على الهاتف وأنها أرادت أن تتحدث معنا بشأن وضعها الدراسي · وقد بدا واضحا أن الأمور قد ساءت قليلا· لم تعد جيميما تؤدي واجباتها المدرسية وقد تراجع مستواها الدراسي· كان ذلك صدمة كبيرة لنا· فقد جاء بمثابة تحول كبير عما اعتدنا عليه ، وكان لابد من البحث عن حل سريع· كما كنا بحاجة لمعرفة أسباب ما جرى· فكرنا بعمق وجدية · فهل كانت غير سعيدة بشأن شيء ما ؟ وهل تجد مشاكل داخل المدرسة ؟ فإن الأطفال في عمرها يمكن أن يكونوا حادي اللسان · كانت الإجابة أبسط من ذلك بكثير وكانت توجد داخل منزلنا · في سبتمبر الماضي اشترينا لجيميما لعبة كمبيوتر أرادت الحصول عليها كهدية في عيد ميلادها· كان اسم تلك اللعبة بابيز وكان مبدأها يقوم على تربية الأطفال ورعايتهم · لقد وفرت لها تلك اللعبة ساعات من المرح والتسلية ، ولكنها كانت أيضا مصدرا لسلسلة من الأحداث الشريرة تمخضت عنها نتائج لا يمكن التفكير بها نهائيا· جاء لاعبو البابيز من كل أنحاء العالم وعرضوا أطفالهم على مواقع على شبكة الانترنيت التي قدمت أحدث النسخ من لعبة البابيز ، وقد وصل الأمر لدرجة توفير مدارس حقيقية وخدمات الرعاية البيبي سيتر · وقد أرادت جيميما أن تكون جزءا من كل هذا وبدأت في بناء موقعها الخاص · وكنت سعيدا بما قامت به· لكن فيما بعد اكتشفنا أن استضافة موقع يتطلب صيانة · إذ فضلا عن استهلاكه للوقت هو مكلف، وهذا ما تأكد لنا عندما بدأت ترد الفواتير · لقد ضمن لها ذلك الموقع التواصل مع محبي البابيز في كل مكان من العالم · وفي السيارة على الطريق إلى المدرسة ، كانت تحدثني عن آخر المتصلين بها والذين وقعوا على كراسة التوقيعات الخاصة بها، والعدد الكبير للمتصلين بها · لم تكن شبكة الانترنيت تنام في بيتنا ، بحيث أنها في منتصف الليل كانت تصعد إلى الدور العلوي من منزلنا لترى من زار موقعها من أميركا ونيوزيلاندة أو أي مكان بينهما · ومن خلال التجربة والتجريب علمت نفسها عددا من المهارات الجديدة· تحديد الوقت على الشبكة كانت المشكلة المعقدة ،فضلا عن التكلفة الكبيرة ، هي مقدار الوقت الذي كانت تمضيه أمام جهاز الكمبيوتر · فقد تزامن إنشاؤها للموقع مع تدني مستوى أدائها في المدرسة · ولهذا قررت وزوجتي أن نحدد الوقت الذي تمضيه على الشبكة العالمية · تم حظر استخدام الانترنيت طوال أيام الدراسة ، ولكن أثناء عطلة نهاية الأسبوع كان بإمكانها تحديث موقعها والتواصل مع جميع أصدقائها الجدد غير المرئيين ، وحلت المشكلة · وفي امتحانات الفصل الدراسي الأول حصلت جيميما على درجات جيدة وكنا في غاية السعادة حتى ظننا أننا عدنا إلى الطريق الصحيح، إلى أن وصلت الفاتورة الجديدة· رغم أنها لم تكن مرتفعة كسابقتها ، إلا أنها كانت كفيلة بجعل الأعين تدمع· كان واضحا أنها ما زالت تستخدم الانترنيت في منتصف الأسبوع · تفحصت زوجتي جيسيكا البريد الالكتروني ، وقد بدا لي عند عودتي من العمل أن النتيجة لم تكن سارة · وصفت جيسيكا الوضع بأنه مؤلم · فقد تبين لنا أن جيميما قد أبقت على تواصلها مع أصدقائها الجدد عبر الانترنيت ، وبشكل خاص مع فتاة تدعى ديبي ·
كنا قد سمعنا كثيرا عن ديبي · قالت لنا أن عمرها 11 عاما ، وأنها هولندية وبارعة في رسوم الجرافيك · وقد عرضت ديبي إنشاء الرسوم وإرسالها لابنتي عبر الشبكة · ولكن ما وصل في البداية من ديبي كان عبارة عن دردشة عادية · في يناير الماضي كانت المراسلات تدور فقط حول لعبة البابيز · فقد كانت لعبة جيميما قد تحطمت وعرضت ديبي عبر البريد الالكتروني أن تصلحها، في الوقت الذي أعلنت فيه أن اثنين من عاشقي البابيز عازمان على الزواج· وبعد يومين سألتها ديبي عن نوعية الموسيقى التي تحبها ، وعما إذا كانت تقبل بأن تناديها باسم جيمي· بدا كل ذلك بريئا في البداية ، لكـــــن فيما بعد تحولت الأمور نحو الجانب المظلم · وفي يوم من الأيام كانت جيميما في إجازة من المدرسة بسبب موعد مع طبيب الأسنان· ولم تكن ديبي في المدرسة أيضا· ، رغم أني لم أعرف السبب· وفي اليوم التالي عرضت ديبي البدء إرسال رسوم جرافيكس · وفي عطلة نهاية الأسبوع ورد عدد كبير من الرسوم والأشكال الفنية · أرسلت ديبي الرسوم وقالت انها يجب أن توضع مباشرة على الموقع· وفي بعض الأحيان كانت لهجة ديبي تبدو حادة ، وكانت تستخدم عنوانين مختلفين للبريد الالكتروني· وبعد يومين جرت بين جيميما وديبي دردشة طويلة حول ما يعتزمان القيام به عندما تكبران · قالت جيميما أنها تود تنفيذ مشروع ما برسوم الجرافيك ·
ولأنها تحب الرسم بينما تحب ديبي الكتابة اقترحت أن تشتركا في تأليف كتاب· وهكذا مضت الأمور · تبادلتا الرسائل يوميا ، وفي أثناء ذلك قدمت جيميما زميلة لها في المدرسة إلى ديبي · وقد استمرت ديبي في إرسال الرسوم إلى الموقع الخاص بابنتنا على شبكة الانترنيت ، ولكن بدا واضحا أنه على الرغم من إلحاح جيميما برؤية البابيز عند ديبي ، فإنها لم تكن تحصل على طلبها· فقد ادعت ديبي انهم مرضى أو أنهم توفوا · ومضت الأمور على هذا النحو إلى أن اتخذت الرسائل طبيعة مغايرة · تحدثت ديبي عن رغبتها في العيش في الولايات المتحدة مع رجل أميركي · وقالت أنها تريد تبني الأطفال لأنها لا تحب السير ببطن ممتلئ· وبعد انقطاع دام أياما ، عادت ديبي للاتصال مدعية أنها كانت مريضة · في ذلك الوقت أرادت تأليف قصة عن جيميما بعد أن تكبر · بدأت رسالتها بالقول : عمرك الآن 23 عاما ولديك طفلان ، طفله عمرها خمس سنوات وصبي عمره سنتان · من ثم وجدت أنك حامل وعندما قررت إخبار زوجك بحدوث الحمل قال لك أنه على علاقة بامرأة أخرى · كيف ستتصرفين آنذاك ؟ وتمضي الرسالة على هذا المنوال ، حيث تطرح تلك الصديقة أسئلة خاصة ومحرجة ، وكثير منها غير مناسب لسن ابنتنا · كلام غير لائق وفي مساء ذلك اليوم بدأت ديبي في نسج قصة حول نفسها · تدور القصة حول علاقتها بعدة رجال وكيف أنها كانت تحتفظ بطفلها في الغرفة العلوية المغلقة من منزلها · وفي إحدى اللحظات ضبطت أحد رجالها مع امرأة أخرى ومن ثم توقفت عن سرد باقي القصة · ورغم أن جيميما لم تكن تحب تلك النوعية من القصص وبدا واضحا أنها صدمت مما قرأته ، إلا أنها صبرت عليها رغبة في استلام المزيد من صور الجرافيكس من ديبي·
لكن يبقى السؤال المهم والذي يجدر بكل أب وأم طرحه هو : ما هي حقيقة ديبي؟ في هذا السياق تظهر دراسة أجرتها وزارة الداخلية البريطانية أن واحدا من كل خمسة مراهقين يستخدمون الانترنيت يجرون دردشات عبر الشبكة مع من هم أكبر منهم سنا· وقد أظهر أيضا بحث أجراه منتدى الجريمة عبر الانترنيت أن عددا من الأطفال يتعرضون للاستماع لمحادثات غير لائقة ، ولإرسال صور إباحية· ربما تكون ديبي طفلة في الحادية عشرة من العمر ذات خيال خصب ، وربما تكون رجلا أراد المضي في العلاقة أبعد من ذلك ، حيث قام بخداع تلك الطفلة · وهل كانت تلك الرسوم من نوعية الحلوى التي تقدم كطعم للإيقاع بالأطفال ؟ ومن الواضح أن الطفلة جيميما على اطلاع جيد على علم الكمبيوتر ، وإن المعلومات الجيدة التي اكتسبتها ستفيدها ذات يوم وستوظفها في مكانها · ولا يمكن تجاهل شبكة الانترنيت العالمية · إنها وسيلة لا غنى عنها من اجل الحصول على كثير من المعلومات ، وتمكننا من التواصل مع الآخرين · ولقد صنعت ثورة في كيفية التعامل مع الآخرين سواء في مجال العمل أو في المجتمع· وعلى الرغم من استطاعة الأهل منع أبنائهم من الخروج إلى بعض الأماكن خشية عليهم مما يمكن أن يواجهونه من أخطار ، فإن الشيء المخيف هو أن الرجال الذين كنت تخشى أن يلتقي بهم أبناؤك في الشارع موجودون بالفعل أمام ناظريك وفي داخل بيتك · ربما يكون على الشبكة يتحدث مع ابنك دون ان تدري
والسؤال الذي لابد منه في النهاية ..... كيف نعمل لأطفالنا حتى يكونوا مثل هذه الطفلة؟؟؟؟
لأننا لا نعلم أطفالنا إلا الشيىء التافه......